Tuesday, 7 July 2015

تماثل وتغاير

ثقافة الرائج أو ال mainstream أو فيما يعرف بالموضة. هو ما اتفق العوام " عامة الناس" على فعله في فترة زمنيّة حاضرة. وبما أن كل شيء أصبح الحصول عليه سهل ومتاح لكل شخص- شريطة أن تدفع ثمنها بالطبع - وموجود في كل مكان. فلذلك عندما نتكلم عن الرائج يفقد المكان أهميته لأن ببساطة المكان هو كل مكان أما الزمان فتتعاظم أهميته وتثقل. فالرائج والزمان متلازمان ولا تستطيع أن تذكر كلمة رائج دون أن تحدد الزمان. الرائج عام سين أو صاد هو هذا أو ذاك. وبهذا نجد أن كل من تصادفت حياتهم في هذا الزمان يشترون هذا المنتج أو يفعلون هذا الفعل أو يؤمنون بهذه الفكرة كأسلوب حياة. قد يكون هذا الأمر بالفعل أعجب مجموعة من  الناس. يشترط أن تكون هذه المجموعة هي الصفوة. فمن غيرهم سيتبع ويُحذى حذوه. فالكل يريد أن يكون مميزا مثلهم. فيبدأ الأمر بشيء أعجب بعض علية القوم وقلّدهم في ذلك الحاشية. وينتشر الأمر كالنار في الهشيم. الكل يريد أن يكون مميزًا. الكل يريد أن يتبع الجماعة. ومن هنا تأتي الشرارة التي يريد البعض أن يأتي منها بقبس.
وبعد ذلك تظهر مجموعة أخرى تقوم بهذا الفعل خوفًا من الخروج عن الصف. طمأنينة أن تكون مع الأكثريّة. أمان الشبه بينك وبين من حولك. فبما أني مثلهم فأنا في معيتهم عملًا بمبدأ الكثرة تغلب الشجاعة. إتقاء شر أن تتعرّض للهجوم أو أن تتهم بالتمرّد أو الجهل أو في أهون الأحوال التخلّف عن الركب.
نوع آخر من الناس يتبعون العامة نظرًا لقوة إلزاميّة هذا الرائج. فالرائج موجود في كل مكان ويفرض نفسه بكل عنجهية وتسلّط على كل ما هو غيره. فالمعروض إن كان سلعة تجدها تغزو كل الأسواق وتنتشر في كل مكان فلا تجد بد من شرائها أو بمعنى أصح تصبح واحد من مُريديها. وإن كانت هذه السلعة غالية - وبالطبع ستكون فهي معها نفوذ من آمنوا بها في البدء ونفوذ الطلب عليها - يظهر من هذا المنتج صور له مقلّدة سيئة الصنع، رديئة الجودة ورخيصة السعر وتكون بذلك البوابة التي تنفتح على مصراعيها لوصول هذا المنتج لكل فرد في يده. أما إذا كان الرائج فكرة فالأمر يصبح أسخف وأكثر لامنطقية. فقوة الفكرة تكمن في أن أنتشارها قد يصيب البعض بما يعرف بغسيل المخ. بخاصة إذا لم تكن لديك قناعات راسخة ترجع إليها إذا ما تزعزعت آراؤك ودون أن تشعر تصاب دواخلك بالذبذبة وينقلب عندك الخطأ والصواب ودون أن تشعر تجد نفسك تتبعها وتؤمن بها. فتجد بعدها أفواجًا من المجعجعين المرددين لما يحفظون وما يفهمون وممن يتكلمون ولا يصمتون. ولأن الفكرة لديهم شديدة السطحية فلا يستطيعوا التعبير عنها غير بالكلام. فكل ما يملكون هو ملئ الفراغ بأصواتهم.
وهناك التابعون غير المهتمين. الذين يستوي لديهم كل أمر فهم ليس لديهم سمة أو طراز ليسيروا على خطاها. فكل من سبقوا اختاروا أن يتبعوا أما هؤلاء فهم فقط فعلوا هذا الأمر ولا يوجد أي اعتبارات أخرى لديهم والغريب أن هذا النوع أعداده كثيرة جدًا. أعداد قد تفوق المجموعات الأخرى.

فكرة الرواج أو الموضة هي أكثر فكرة أوحديّة وعنصرية عرفتها البشرية. فكرة تحويل البشريّة إلى نسخ مكررة. إلغاء الفروق بينهم وطمس كل ما يميز آدمي عن آخر. هي أنانيّة لا تهتم بغيرها. ليس فقط لا تهتم بل تسحق من لا يتبعها. لا تعبأ بمن لا تناسبهم هذه الرائجة ولا تشفق على من لا يستطيع مسايرتها. تقصيهم بدم بارد وبدون النظر لاعتباراتهم أو أسبابهم. فهي تتحرك بقوة ونفوذ الأعداد الغفيرة. إذا لم تكن معي فأنت لست معي. ليس هناك خيار آخر. لا تهم في أي شيء تختلف عني هذا لا يعنيني من الأساس. أنت مختلف. وكل هذه الصلاحيات اكتُسِبت - فقط- من كثرة الجماهير الملتفّة حولها. هي ظالمة قدر ما يُظلم ويُسفه ويُحقّر الخارجين عن الصف. وهي مظلومة قدر ما يظلم مُجاذيبها بعد أن ينتهي زمانها.