يتقاسم الناس بين الشعور بالاستحقاق والشعور بأنهم غير كافيين .
يُعجِزُني دومًا شعور الاستحقاق. أتوقف كثيرًا أمام تصرفات كتلك الصادرة من الأشخاص الممتلئة بهذا الشعور. يعلمون تمامًا ماذا يريدون أن يفعلوا، ويفعلوه ! يا إلهي، بهذه البساطة ! يتجاهلون الأعراف والقوانين بواضعيها، لا يهمهم من يتكلم وما يقول، إنهم فاعلون. لا يحتاجون لمن يخبرهم لهم أنهم عالدرب سائرون، فهم بالفعل سائرون. تعودوا تمامًا على سماع كلمات المديح والإطراء، حتى لم يعدوا بحاجة لأي منها، تماهوا معها فصاروا كيانًا واحدًا. أنا الإطراء!
بينما ملئت خيبة الآمال نفوس هؤلاء أصحاب الشعور بأنهم غير كافيين. تتردد أصداء كلمات الملامة في قلوبهم إلى الأبد. يحملوا على ظهورهم حقائب من النقد الدائم لذواتهم ولما يفعلوه. تتقوص سيقانهم في كل مرة يجب أن ينتصروا فيها لأنفسهم بينما تغوص رُكُباتهم في مياة التضحيات الباردة. يسكبون أرواحهم عند أقدام من معهم في محاولة الوصول للأكتفاء.يفعلون ما يُطلب منهم وما لا يُطلب. في محاولة دائمة أن يقدرّوا ذواتهم. هم مفعولون. يستكثرون أقل كلمة شكر. لا شيء يؤكد لهم أنهم مستحقيها. أنا الهجاء.
يحكي الخال عبد الرحمن الأبنودي عن سبب عدم تعاونه أبدًا مع أم كلثوم. يبدأ حديثه بقوله " أنا راجل فيروزي" ثم يسرد ثلاث مواقف طلبت منه أم كلثوم قصائد قد كتبها الأبنودي لأشخاص بعينهم. في أحد تلك القصص كان عبد الحليم حافظ يُسجل الأغنية في الإذاعة بينما كانت أم كلثوم في الغرفة المجاورة وأستمعت للأغنية فأعجبتها فأرسلت للخال تطلب منه أن تغنّي هي نفسها الأغنية ! أستشاط الصعيدي غضبًا من طلبها هذا وصرخ فيها " يعني أقول للراجل يطلع بره عشان حد تاني ييجي مكانه " !
لم تكتفي فيروز أبدًا من سرد حبها لعاصي الرحباني، حتى بعد خيانته لها وطلاقهما ووفاته، أؤمن تمامًا أنه لو كان عاصي قد استمع لأغنية " سألوني الناس " وهو في قبره لحيى من جديد وعاد لها. أتذكر صورتها عندما زارها رئيس فرنسا ليكرمها في منزلها كانت كل الصور المتداولة وهي بسيطة، خجلى وتنظر إلى الأرض.
كلا الشعورين يدفع البشر للأمام، ولكن هل يكونوا أطيب ؟ أنفع ؟ أكثر أستقرارًا ؟! هل يئنس من يجاورهم ؟ هل ستكون كوكب آخر، أم ستجاور القمر ..