تجلِس لتُتابِع فيلم على أحد القنوات، بالكاد طولها يبلُغ كَتِف أُمها، لا تحتاج لحساب عُمرها لأكثر من ثلاث كفوف، يبدأ الفيلم، وما أن تشتعِل الأحداث حتى يقع البطل في غرام البطلة الحسناء ويهيموا في الدروب والطُرُقات، تارة يُغازِلُها تحت شجرةٍ وارِفةِ الأوراق، وتارة أُخرى يحتضِنُها بينما يسيروا على الكورنيش، وينتهي الفيلم طبعًا بزواج الأبطال، نهاية سعيدة غير منطقية بالتأكيد، إنهُ الحُب وسِحره أعِزائي
تسهر لياليها تحلم بالحُب وبالحبيب، تتخيل نفسها في كُل مشهد من مشاهد الفيلم الرومانسية، تشتعِل بالحماسة لتُجرِّب نفس الإحساس، تنتظِر بينما تُشاهِد صديقاتِها من حولها ينعمن بمس الحُب.
لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له.
البطلة تستقِل عن حياة أهلها في سن الثامنة عشر، تُعمل نادِلة في مطعم، تؤسس غُرفة غاية في الجمال والبساطة تدُل على عظمة مهندس الديكور الذي إختارهُ المُخرج ليُصمم تفاصيل الفيلم، تلتحِق البطلة بالجامِعة، تدرس ما تُحب، تتعرف بشاب وتُحِبُه وتنتقِل لتعيش معُه، تتخرج من الجامعة تعمل في وظيفة مرموقة تتزوج هي وحبيبها، يُسدل السِتار، تصفيق حاد، كم أنتِ عظيمة يا هوليوود.
تكبر وتلتحِق بالجامعة لتسمتِع إلى قصص أساتذتها العظيمات وكُلًا منهُن تحكي قصة كِفاحها وعيشها في بلد أوروبي وحدها حتى تحصُل على شهادة الدكتوراه وكيف كانت قوية بالقدر الذي تستطيع معُه أن تعيش بمُفردها في بلد غريب وتكررت القصة مع زميلاتِها اللاتي أصبحن مُعيدات اليوم وأساتذة المُستقبل.
الست من بيت أبوها لبيت جوزها عالقبر على طول
إعلانان لنفس مسحوق الغسيل يتم عرضهم على التوالي، الأول البطلة مُحجبة، الإعلان موجه لسيدات الطبقة الفقيرة وعامة الشعب، الإعلان الأخر البطلة ذات شعر كستنائي لامع مسدول على الكتفين تتحدث مُخاطِبة سيدات المُجتمع الراقي.
الحجاب فريضة على كل مسلمة.
إلمسني خليني أكون متأكِدة ..
لازم يكون فيه حدود بين الراجل والست حتى وهما مخطوبين مع إن الخطيب لو كان يعرف خطيبته قبل الخطوبة عيب يلمسها بس في الخطوبة ممكن يبوسها عادي وقُدام كُل الناس مع إن في الحالتين حرام.
راجل بالنسبالي يعني تيمور وأي راجل تاني ما يبقاش راجل
أحضنيني لو الغرام ممنوع ..
هوّن يا رب ..
الفنانة ------- تُصرح بعد خلعها الحجاب وعودتها للساحة الفنية أن الحجاب هو حجاب القلب وليس حجاب الشعر.
أصل الحجاب دا ثقافة، ما ينفعش تبقى زوجة رئيس الجمهورية محجبة عشان تعرف تستقبل رؤوساء البلاد التانية.
تُقرر إرتداء الحجاب بعد إنتشاره في أوساط المراهِقات، لم تستمع لشريط عمرو خالد ولم تُرهِبها أحداهن من عذاب النار، سألها حبيبها " هل ستصومين رمضان هذا العام كطفلة أم كآنسة كبيرة " .. لم تستطع سوى أن تُلبي أمرَهُ بإرتدائها الحجاب. رغم كُرهها لهُ وعدم إقتناعِها بِه. نعم إرتدتُه من أجلِه فقط.
وبعد مرور سنوات، موظفات الإستقبال في كُبرى الشرِكات غير مُحجبات، محاسِبات البنوك غير مُحجبات، الإعلاميات، الصحفيات، سيدات المجتمع " الراقي " غير محجبات " .
الحجاب فريضة على كل مسلمة.
تقف أمام أمها، تبتلع ريقها، تجهر بِها، " أُريد خلع الحجاب "
....
لإني لا أجِد نفسي فيه، لم أكُن أُحِبُه، وكُنت صغيرة عِندما إتخذت قرار إرتداؤه.
لستِ إبنتي إذا فعلتي هذا ..
........
تظل رغبة خلع الحجاب بداخلها رغم تنشئتها على أن الحجاب فريضة رغم كونها غير مُتأكِدة من قُدرتها على خلع الحجاب إذا سمحت لها الأُم.
مؤمنة بأنها يجب أن تحتفظ بحقوق زوجها كاملة، بداية من " أُحِبَك " وحتى ما شاء الله، لا تُريد أن تُسمِع غيرَهُ كلامًا معسولًا ولا أن تخرُج مع أحدًا قبلَهُ، تربّت على ذلِك، عقلها يقولُ لها ذلِك، مشاهد الأفلام الرومانسية تسكُن قلبها، هي ليست رومانسية، ولكن كُل فتاة تبحث على كلمات وجنون حُبٍ يُرضي أُنوثتها، عندما سنحت لها الفُرصة وظهر في حياتها الشخص الذي شَعُرت معُهُ أنهُ يُمكِنُها أن تطمئِنَ لُه، كانت تودُ لو أنها تخرُج معَهُ وتملأ الفضاء بغرامياتِهم المُرهفة وتعيش كُل المشاهِد الرومانسية التي حلمت بها، ولكنها في كُل مرة كان يحاوِل مسك يدها كانت تشعُر بمخيط من حديد يمسها، كانت تستعِر من نار تناقُدِها، تُريد أن تعيش الحُب وكُلما أقتربت إزدادت إبتعادًا تحت تأثير واعِزٍ ديني.
لم تطء فكرة الاستقلال عن الأهل عقل أكثر فتايات العائِلة إنفتحاحًا، حتى صديقاتِها ذوات الفساتين التي ترتفِع عن الرُكبة بشبرين، واللاتي يسهرن مع الشباب في الحانات كُن يصِفنها بالجنون والتهور بأنها تُريد ترك المنزل والاستقلال في بيت بمفردها، لم تعرف من أين أتت بهذِهِ الفكرة، ولكن ما أن شَعُرَت بأنها لم تعُد قادرة على مواصلة العيش مع أهلها ولا تُريد الارتباط بأول خاطِب يتقدم لها " لتتمكن من الخلاص مما لا ترغب فيه في منزل أسرتها بغض النظر عن المتاعب التي قد تجنيها من سوء الاختيار" ، بهذِه السهولة خطرت الفكرة على بالِها، لم تكُن تعرِف كيف لمن هن في تربيتِها أن يأتين بمثل هذا التفكير.
لم تعرِف أبدًا سلوكياتِها هي نتاج من ؟! .. هذا الانفتاح الشديد في أفكارها بالرغم من الانغلاق والتديُن اللذين تربّت عليهم وبالرغم من أنهُ قابع داخل عقلها فقط ولا تستطيع اظهاره، حُبها للفن وللأدب وللثقافة، تطلُّعها على كُل ما هو جديد، تقبُّلِها لكُل المُختلِفين عنها، فلديها أصدقاء من بلاد ولُغات وأديات مُختلِفة، حتى من الهندوس والبوذيين، تحترِم أفكار المُلحدين وحقوق المثليين، ليس لديها ما يجعلها تنطوي على ثقافتِها وتتوحد مع نفسها تتقبَّل كُل الأفكار مهما كانت درجة غرابتها، تُلهمها كُل أشكال العلاقات وتتفهمها، ومع ذلك لم تستطع أن تسعد " بالطريقة التي طالما حلُمت بها " مع الشخص الوحيد الذي شَعُرت معُه بالطمأنينة والارتياح بسبب تربيتها.
كلما تذكّرت حِرص أُمها على ألا تُصادِق أي شاب، وعلى مُراجعة ما تُشاهِدُه في التلفزيون " كُلما تواجدت "، إختيارها لصديقاتِها بعناية وتاكُدِها أنهُن ذواتِ أصلٍ طيب وحسنات المنشأ، محاولاتها المُستميتة على أن تكون مُلتزِمة في كُل شيء، أن تُحِب العِلم فقط وتنبُذ كُل ما هو غير ذلِك، إعادة الأحاديث والآيات القُرآنية دومًا على مسامعها، لا تعرف بعدها من أين أتت بكل هذهِ النبؤات الجديدة، من أين تسرب ذلِك الذي صنع الاختلاف إلى مخها، كيف أصبحت لا تستطيع أن تُبدي إعجابًا بشيء وتُشارِكها أمها نفس الاعجاب كيف أصبحت بعيدة هذا البُعد ووحيدة هكذا، لا يُضايقها الاختلاف قدر ما تقتلها الوحدة والتناقُض، كانت نصف قديسة ونصف ظالمة لنفسها، نصف تظُن أنهُ يؤهلها لجنة الخُلد، والنصف الأخر يبدو أنُه سيقودها للجحيم،حاولت أن تتقبل ذاتها هكذا ولكن التناقُض والازدواجية سوف يودوا بعقلها لهوة مُظلِمة،كانت ترى بعين الشيوخ وهم ويشوحون بأيديهم ترهيبًا، وبالعين الأُخرى ترى لوحات العظيم كلود مونيه، تسمع بأُذُن صرخات تعلو المنابر، وبالأذن الأخرى تسمتع للشيخ محمد رفعت وفيروز في صباحياتهِا المُميزة، غُرفتين في قلبِها يُخبِراها " أن الله غفورٌ رحيم " والغُرفتين الأخُرتين يُحدِثاها " أن الله شديدُ العُقاب" ولأنُ لها لسانًا واحدًا، كانت تتعثر حينما تنطق فلا تنطق أبدًا، كان يُعذبها هذا التقبُّل والتفهُّم لكُل ما لم تتربى عليه ولم تتعلمهُ في صُغرها يومًا، يُعذبها لأن الطبع يغلب التطبُّع ولم يعُد بإمكانِها الاستمرار في الطبع ولا لديها الحُرّية الكافية للتطبُّع كيف أصبحتُ هكذا،
" أنا بنت مين يا دادا ؟!!!!
No comments:
Post a Comment