Friday, 28 November 2014

الوجه الآخر.

هذا المقال كُتِب بعد المناقشة والبحث والمراجعة والتشجيع من الحبيبة غادة وجيه ولذلك أود أن أشكُرها في البدء والتعبير عن أمتناني لها.
هذا المقال نتيجة التأمُلات المحضة ولا أعلم هل يمس الواقع بصلة أم لا ولكن "أهو دا اللي صار".
منذ حوالي عام أثار أحد الأشخاص على أحد شبكات التواصل الإجتماعي تساؤل جعلني أفكر فيه كثيرًا الحقيقة.
لماذا يتم تقبُّل المثليات أكثر مما يتم تقبُّل المثليين؟!
بمعنى إن لو أنثى تحب معاشرة الإناث يتم تقبُّلها مجتمعيًا والتعامُل معها بهوادة أكثر من الذكور محبي معاشرة الذكور.
الموضوع من الأصل عُنصُري. لإنه يبدأ بتقسيم العملية الجنسية لمراتب ومستويات. الأقوى والأضعف الأعلى والأدنى الفاعل والمفعول؛ الذكر لُه المرتبة الأقوى والأعلى من الأُنثى. هو الفاعل. على الصعيد الآخر فالأُنثى هي الأضغف والأدنى هي المفعول. ولذلك بتخلّي الذكر عن مُعاشرة الإناث يتنازل عن مرتبته ومنزلته العُليا يتنازل عن كونه الفاعل يتنازل عن ذكورته التي عنوان سيطرته وسطوته على الإناث ويُصبح في مرتبة دُنيا. يُصبح هو المفعول. ولذلك يتم رفضه وعدم قبوله والسُخرية والتقليل من شأنُه لتحوّل دوره من فاعل إلى مفعول.
أما ميل الأُنثى لمعاشرة أُنثى فليس على من هو في مرتبة أقل حرج فهي في الأصل مفعول وأصبحت فاعل.

هُناك نُقطة أُخرى لا يمكِن إغفالها. الأُنثى بالنسبة لكثير من الذكور هي " عاهرة " حتى زوجته وأمه في نظره " عاهرة " الأصل في البلاء والغواية. فبميلها لمعاشرة انثى مثلها تعطيهم سبب إضافي لتوكيد ما يكنوه لها من كراهية وبغض وتثبيت لفكرة عُهرها.

السبب الثاني الذي توصلت له هو سبب جمالي فنيّ.الجسد الأنثوي جميل وجدير بالإعجاب بعكس جسد الذكور الذي لا يخلو من الجمال ولكنه يتفاوت نسبيًا عن جسد الإناث.ولذلك أختيار الذكر لجسد أقل جمالًا للتمتُع بِه هو أمر يبدو غريبا ويحتاج للكثير من التفسير والفهم بعكس اختيار الأنثى لجسد أكثر جمالًا مما ينبغي لها أن تعاشره فمن الناحية الجمالية قد يبدو ذلك تفسيرًا منطقيًا.

أما عن أسباب انتشار المثلية الجنسية بين الإناث والتي بدأ يشكو منها الشباب مؤخرًا. فالمجتمع مليئ بالأسباب التي تحض الأنثى على فعل ذلك.في رأيي بدأت المثلية الجنسية في الانتشار بين الإناث كردة فعل طبيعيّة جدًا للتحرّش الجنسي المنتشر في المجتمع. فالأنثى لا ترى نفسها في عين الذكر إلا فريسة تؤكل. فهي عُرضه في أي وقت لهجماته المباغتة والغير مبررة والغير مفهومة أيضًا.أصبحت تهابُه،فهي تخاف المرور بجانبُه في الشارع، تستقل عربيّات مخصصة للإناث فقط في المترو وتود لو أن ينقسم المجتمع لإناث وذكور في جميل المصالح والشوارع حتى تتجنب الأحتكاك به والتعامل معاه. أصبحت تكرهه وتبغضُه وتشمئِز منه. أصبحت تشعُر أنه لا يأهبه بها كإنسانة ويعاملها كجسد فقط لا يهمه من تكون الأُنثى المهم هو جسد ذا أثداء وأرداف. أصبحت أكثر ميلًا للإناث وأكثر شعورًا معهن بالأمان. تحاول البحث في مثيلاتها عن الصفات التي تود أن تجدها في الذكر التي تريد الارتباط به.
إغفال رغبات الإناث الجنسية سبب أخر، فالكثير يعتبرون تصريح الأنثى برغباتها الجنسية حتى لزوجها أمرًا لا يصح ولا يجب أن يحدث في حين إن الإناث في أحاديثهن سويًا لا يخشين أن يتكلمن في أي شيء والتعبير عما يجول بخاطرهن بكل صراحة وحرّية. فالكبت الجنسي الأنثوي يتم أغفاله لأنه " عيب " لإنه " ما يصحش " رغم أنها غريزة فطر الله عليها الذكور والإناث إلا أن الذكر فقط هو من يحق له التعبير عن إعجابه بالأنثى، التعبير عن رغبته فيها، التعبير عن كل ما يجول بخاطره ليس فقط لزوجته ولكن لأيٍ من كانت وفي رأيي المثليّة الجنسية كانت نتاج لهذا " العيب " واللي ما يصحش ".

ومن خلال بعض القراءات لبعض تجارب المثليات عرفت أن الأمر قد بدء معهن بعلاقة حب حقيقية مع صديقة أو قريبة بعينها تطور الأمر لمعاشرة جنسية. فهي قد أختارت رفيقتها على أساس عاطفي بحت. إختارت أُنثى لا تُشبعها جسديًا فقط ولكن عاطفيا أيضًا وهو الجانب الذي يغفله الكثير من الذكور في علاقتهن بالأنثى. فالأنثى للكثيرين لتفريغ الشهوة وليس العاطفة وهي كغيرها لا يوجد أفضلية. كما أن العلاقات المثليّة لا تُكلِّف الأُنثى الكثير فهي لا تُفقدها عُذريتها ولا تحمِّلها أعباء أطفال كما إن الأنثى لن تحتاج للكثير من الحيل والخدع لتقنع أهلها بمقابلة " صديقتها " والتي لن يتوقّع أهلها أنها تنام معها.

ليس هذا فقط. الكثير من المثليّات لديهن مشاكل نفسيّة مع آبائِهِن، يرفضونهم، يكرهونهم بسبب إيذائِهن النفسي أو الجسدي لهُن أو لأمهاتهن، تربين على أنه لا أمان في حضرة ذكر لا يجب التسليم لذكر.
في بعض الأحيان يكون سبب الميل المثلي للأُنثى هو عدم الإحتكاك الكافي بالجنس الأخر، بمعنى " اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفهوش " لم تعرف ذكور في حياتها لا تعرف كيف تتواصل معهم وتتكلم وتُظهر ذاتها الأنثوية فتلجأ إلى من تعرف أكثر وتعرف التواصل معه بصورة أفضل.

الفن والجمال سبب من أسباب ميل الإناث للمثلية الجنسية فجمال جسد الأنثى وقدرته على إثارة الإعجاب والأحاسيس لا تشمل فقط الذكور ولكن حتى من هن من نفس جنسها لا يملكن إلا حب هذا الجسد وفي بعض الأحيان إشتهاؤه.

بعيدًا عن الحكم على المثليين وبعيدًا عن أحكام المجتمع والدين ورفضهم أو تقبلهم، فأكثر المثليين يكرهون الجنس الآخر بسبب عنف أو ذكريات أليمة أو بغض أو تحرّش أو عدم الشعور تجاهه بالثقة والأمان أو حبًا في جنسهم والشعور أنه الجنس الأفضل والأجدر بالمعاشرة.وقد يرجع ذلك إلى آثار نفسية متراكمة منذ الصغر، تسبب بها كلا الوالدين أو أحدهما بشكل أو بآخر، وهذة قصة أخرى.

Tuesday, 23 September 2014

لازالت عمليّة التفرقة بين يدي اليُمنى واليُسرى تستغرق مِنّي وقتًا يتجاوز الخمس ثوان وتتطلّب الكف عن فعل أي شيء وتركيز تفكيري على الإجابة فقط. أذكُر أن السبب في عدم تفوّقي في الرياضيات هو توقُّف استيعابي لها حين أُدرِجت الأرقام السالِبة في العمليّات الحِسابيّة. الأشياء وعكسها تُجهِد عقلي وتستهلِك طاقتُه. اليمين/اليسار، السالب/الموجب، ادفع/اسحب. كل هذِهِ الأشياء تُربِكني منذ نعومة أظافري حتى الآن. وأنا لم أتغيَّر.
عَمِلتُ بنصيحة بكثيريين ممن حولي للتخلُّص من مشكلاتي مع أهلي ومن فراغٍ أدورُ فيه. استغرقت في ساعاتِ عملٍ طويلةٍ أنهكتني واستفذت قواي الجسدية والعقلية. استيقِظُ في الخامسة فجرًا وأنام في التاسِعة مساءًا. أعودُ لمنزِلي لقضاء ثلاث ساعات نصف مستيقِظة خائِفة أن أسهو وأنام. فقط حتى لا أُفسِد نظِامَ يومي. بالرُغم أن كفائتي الذِهنية والجسدية في هذِه المرحلة من اليوم تنخفِض إلى ما دون الـ 30 % بالمئة. أصبح نهاري لا يتسع لأيٍ مما أُحِب فِعلُه. والليل الذي أُحِب سهرِه لم أعُد ألتقيه. لم أعُد استطيع تمضية بعد الوقت مع أُخوتي. لم تعُد لدي المقدرة البدنيّة على مزاولة أي نشاط في أي يوم غير أيام الأجازات الأسبوعيّة. وكل هذا فعلتهُ هربًا من مشاكل نبعت من كوني فتاة -نعم مشاكلي سببها أنّي فتاة-. كل ذلك حتى أدور في المدار. حتى تُصبِح حياتي أكثر راحة وسعادة وأقل عُرضة للمتاعب والانزعاجات. وتمت المُهِمّة ونِلت المُراد ولم أعد أُمضّي مع أهلي هذِه الساعات الطويلة المُرجّح أن تكون هي سبب المشاكل القائِمة على الدوام.
ورُغم كُل ما بذلته من جهد ووقت وصحة لازلتُ أُحارِب للحصول على أبسط حقوقي. لازِلتُ أتحايل لأقضي بعض السويعات مع أصدقائي. لازلت أتذلل للحصول على موافقات. لازِلت مُرغمة على تقبُّل " لاءات " غير مُسببة وإن عُرِف سببها لا يبطُل العجب مِنها. لازالت مشاعري مضطرِبة، ولازِلت أحتاج لرفيق يملأ فراغي. ولازالت الأرض متعبة من دورانِها في مدار الشمس. لا شيء يتغيّر.
أتمنّى أن أكون قد تعلّمت الدرس والعمل بنصائِح لا جدوى منها. أتمنّى التوقف عن تعاطي المُسكِّنات والمُخدِّرات والبدء في حل مُشكِلاتي والتدخُّل جراحيًا للتخلّص منها إلى الأبد. راجيةً ألا يُكلِّفني ذلِك التخلّي عن كوني فتاة من الأساس. وإلا سيكون عليّ أن أتقبَّل أن عقلي يحتاج لخمس ثوانٍ ليستطيع التفرقة بين يدي اليُمنى ويدي اليُسرى.

Sunday, 4 May 2014

الحُب في زمن الياسمين

تستيقِظ كُل صباح على صوت رنين الهاتف. ترفع السمّاعة وتسمع المُتصِل يقول نفس الكلِمات التي يقولها كل يوم وكأنها أوَّل مرة تسمَعُها: " صباحك ياسمين ".
تكشِف عن أسنانها العاجيّة مُتنهِدة ثُم تُجاوِبُه بنفس الإجابة ككُل يوم " صباحَك كاميليا " ثُم تُضيف " لا تتأخَّر ".
يرُد: " لن، فقد أوحشتني " .
تضحك ضحكة تُغلِق بِها عينيها آذِنة لنور الشمس أن يسطع بالغُرفة ثُم تضع السمّاعة.
لم تقُل لَهُ سلامًا قط طوال خمس سنوات يُخابِرُها على الهاتِف كل يوم صباحًا.
تُنزِل قدميها المطليّة أظافِرهما بعناية فتاة في العشرين مِن عُمرِها، تقِف وتتسنَّد بتؤدة على الحائِط حتى تصِل للمرآة الكبيرة التي تتوسط الحائط المواجِه لسريرها، تبتسِم فتلمع عيناها وتبرُز تجاعيد عرضية حولهما صانعين ما يُشبِه أشعة الشمس في وقت الشروق.
خطواتُها رصينة، مُتماسِكة أصغر بعشر أعوام من عمرها الحقيقي. تغتسِل وتذهب إلى مطبخها الصغير لتعد فطيرتين، تختار اليوم الأناناس ليُضيِّفهُما. 
تترك اللبن على النار ليغلي بينما تسقي شجرتي الياسمين والرمُان. تعود للمطبخ لتحضير القهوة بينما تُمسِك خُصلات شعرها الفضيّة وتمشِطُهما، لم يعُد برأسها الكثير منه، ولكنها لازالت تعتني بِه وتُكلِلُه بورود من شجرة الرمُان رغم معرفتها أن بكُل وردة تقطفها تخسر ثمرة تأكُلها.
تنتهي من القهوة وتمشيط شعرها لتُبدل قميص النوم بفستان بيتي قطني أبيض يُظهِر خطوط الزمان على عُنُقِها، تتعطّر بعطر تعود رائِجتُه لخمسين عامًا.
تضع الطعام على طاوِلة بين شجرتي الرمّان والياسمين اللاتان تحتلا مساحة كبيرة من الشُرفة بينما تسمع دقاتُه المُعتادة على الباب والتي لم يتغيّر إحساسها بشغفِه لتفتح الباب قط.
تُسرِع لتفتح لَهُ الباب وهي تعلم أن خطواتها الهونة لن تُسعِفها، ولكنها تحرص دومًا أن تُسرِع حتى لا تترُكه وحده طويلًا.
يُغطي وجهَهُ بالزهور التي يجلبها لها ككل يوم، نفس الفرحة تشعُر بِها ونفس الفراشات تطير في بطنها، تبتسِم لَه الابتسامة التي خصتهُ بِها، مزيج من الحُب والاشتياق والراحة والشغف.
تُفسح له ليَدخُل، ترن صوت أقدامُه الثلاثة على خشب الأرضيّة العتيق يعرِف المكان جيدًا ويعرِف ما يجب عليهِ فعلُه. يدخُل المبطخ ليُحضر آنية زُجاجيّة يضع بِها الماء والقليل من السُكَّر ثُم يُنسِق بِها الوردات البيضاء والحمراء ثم يضعها على طاولة الطعام. 
يُشغِّل جهار التسجيل على أُغنيتهُم الأثيرة " إمتى الزمان يسمح يا جميل " ..
تُرسِل الشمس أشعتها الحميمة لتُدفئ المكان بينما نسمات الهواء الصباحية تُنعِش الجو.
تضع فطيرَتُه في طبقِه وتسكُب القهوة والقليل من اللبن في فنجانِه وعينيها لم تُغادِر عينيه، يخُصها دومًا بنظرة يحتضنها كُلها جسدًا وروحًا، تؤمن أن هذِه النظرة هي ما تُبقيها حيّة كما يؤمن هو أن ابتسامتها هي ما تمنحُه الانفاس.
يتناولوا الإفطار في هدوء رجُل وامرأة في السبعين من العُمر وقد يكون هذا الهدوء هو الشيء الوحيد الذي يُستدل بِهِ عن عُمرهُما.
يضعها الشوكة والسكين على الجانِب الأيمن من الطبق ويبدأن باحتساء القهوة بينما يُريحا ظهرُما على الكُرسي ورجليهما مُمددة إلى الأمام.
يُمسِك بيديها ويضعهُما على الطاوِلة، يُحب رؤية تلألؤهما تحت الأشِعة الصفراء، يتحسس عروقهما النافِرة بطرف أصبَعِهِ ثُم يُقرِبهُما من شفتيهِ ليطبعهُم عليهِما.
يقول مُبتسِمًا: " واهو الزمان سَمَح يا جميل "
تتكئ رقبتها على ظهر الكُرسي وتكون عينيها بعينيه مُباشرةً وترُد: " تعلم كم أُحب الخريف، أنتظرناهُ أبدًا نعيشُ فيه " 
يتنهّد تنهيدة تُخرِج من صَدرِه مرارة واشتياق خمسة وأربعون عامًا من الفُراق والخوف والأحزان، يُغيّر من وضعيّة رقبتُه ليجلس مثلها مُمسِكًا بيدها بينما يُحدِقا في الأُفق إلى اللانهائية وقد تصاعدت رائحة الياسمين في الجو لتُعبِئُه.


القصة مستوحاه من رواية الحُب في زمن الكوليرا


https://soundcloud.com/mohamed-ouda-11/sets/lwmtsebjpc4b 
https://soundcloud.com/lana-del-rey/lana-del-rey-young-beautiful

Friday, 21 March 2014

أنا بخاف من الكوميتمنت ..

أقفلت كُل حسابات التواصُل الإجتماعي الخاصة بي، لم أعُد أرغب في أن  أتواصل إجتماعيًا مع أي شخص، بِت أشعُر أن الأُناس لا يستحقون المعرِفة أو المُعاشرة، لا أحد يستحق الحُب، لا أحد يستحق الاهتمام، قد أكون أنا من لا يستحق ذلِك وأُلصِقها بالناس، ولكن حسنًا أنا لا أخاف من أكون في موضع الاتهام فالنتيجة واحدة، أنا لا أُريد أن أعرِف أحد، فكُل من كُنت أتخيّل فقدهم في أسوء أحلامي قد فقدتهُم، لا لم يخونوني، فقط فترت علاقاتنا وجف نهر المودةٌ بيننا، لا داعي لإنشاء صداقات ومعرفة أُناس جديدة، الكُل سيرحل، الكُل سيصير غريبًا، ستبتعِد، أو تُبعِدَك الدُنيا، لا يهم، أنت ستبقى لوحدك بالنهاية ولن يهتم بِك أحد، تسأل أحدهم النصيحة، وتعمل بِها، ولن يهمُه ما ستُعانيه جراء نصيحتُه، لن يسأل عليك أحد، ستصير بمُفردك بمواجهة ما تُقاسي، لا أحد يعلم ما بِك، لا أحد يُريد التحدُث معك، الكُل يتذكرك من أجل بعض الخروجات التي يحتاجك فيها لإنه لا يُريد أن يكون وحيدًا وهو يحتسي قهوة الصباح في المقهى ويشعُر أن كُل هذا الحُزن قد أل إليه وأصبح مصيرُه، الكُل يهرب من حقيقتُه، إنكُم مصطنعون، وأنا لدي الكثير من المشاعر التي أُغدِقها على أي شخص بسبب أنني لا أجِد من أشملُه بحُبي، أصبحت أخاف التعلُّق والارتباط، أجِدهُ في الأصل ليس ذا معنى، ما معنى أن تصنع الذكريات مع أشخاص سيُصبِحوا ذكريات، سيجرحوك، سيجرحوك في أعز ما تملُك، ذكائك وتصديقك لهُم، ثقتك في أنهم لن يخونوا عهد الصداقة ويتركوك وحيدًا تتختنِق في المساء بويلات الذكريات السعيدة السالِفة، لا معنى لشيء ليس بدائِم، فأنا لا أؤمن بتوسُلات كاظم الساهِر " أحبيني لإسبوع لايامٍ لساعاتٍ، فلستُ أنا الذي يهتم بالأبدِ" الأبد هو ما يهم، تكرار الحدث هو ما يهُم، وهو ما يعُطي للأشياء معناها، ولإني اهتم بالأبدِ، وأصبحت لا أؤمِن بأبدية العلاقات، فأنا بخاف من الكوميتمنت ..


Thursday, 13 March 2014

رغبة في الاستقرار ..

" قِلّي، احكيلي نحنا مين، وليش بنتلفت وخايفين " 
تَمُرُّ عليَّ بعض الأوقات التي أشعُرُ فيها أن الخوفُ يُثلِجُ جميع خلاياي، كأنَهُ جبلٌ من جليدٍ يُحاوِطُني، أَحِسُ أن أحشائي تعتصِرني وتصرُخ لتخرُج عبر فمي في نوباتِ قيء مُريعة، الصوتُ لا ينتقِلُ في الفراغ.
أحيانًا أتصوَّر أنه ستُحَل جميع مشاكِلنا، ونعبُر تِلأك المرحلة ولكني لن أكون بسلام، فستستيقِظ في الليل على أصوات صرخاتي الهالِعة، أصواتٌ نابِعة من خوفٍ مُقيمٍ في روحي، ستُحاوِل احتضاني وتهدئتي، سأهدأ وأُعاوِد النوم ولكنك ستجدني في اليوم التالي أتخبئ في في مكانٍ ما في بيتِنا، ستُحاوِل أن تجِدُني، ستبحث عني حتى تعرِف مكاني خلف أريكة غُرفة المعيشة مُسنِدة ظهري على الحائط، وضامَّة رُكبتاي إلى صدري وأرتجِف ودُمُوعي تُبلِل خدّي وفي يدي سواد من أثر كُحلُ عيناي، ستسألني لِما أنا خائِفة، سأضُمَك ضمة من وجد صيدٍ، وأُعانِقكَ عِناقَ مُحتَضِر  سأُطبِقُ على رقبتِكَ بين يداي، وستجِد عيناي زائِغتان وأنفاسي تتهدَّج، سأقولُ لك لا تُفلِتَني، لا تَفقِدَني، تخبئ معي حتى لا يَجدونا، لن أُطالِبَك بالهرب، فقط سأطلُبُ مِنكَ أن نتختفي من أمام أعيُنِهِم، حتى لا يقتفوا أثرنا، سَأُخبِرُكَ أني أُحِبُكَ وبرغم أن بين ذِراعيكَ سكني، فإني لازِلتُ خائِفة، خائِفة أن لا أكونَ معك مرة أخرى، قُربي منك ووجودي معك سيُخيفُني أكثر وأكثر، سأطلب منك الابتعاد والاختفاء أكثر وأكثر وأكثر، سأحاوِل في يوم انتزاع ضِلعَك الأعوج وأن أسكُن مكانُه وأختبئ ولا يُعرَف لي أثر.
قد نكون في يومٍ سائرين في الشارِع وفجأة سأُمسِك يديك وأنظُر يمينا ويسارًا، سأضغط على يديكَ أكثر، حد الذي يوجِعهما، سأبدأ بالجري مُمسِكة بيديكَ، سأجري وأجري في الشارِع، وأنت تتبعني في ذُهولٍ، ستتقطّع أنفاسي، وتتحِد دقاتُ قلبي مع رنات كعب حِذائي، ستُحاوِل مُناداتي ولن أسمَعُك، فقط سأنظُر ورائي وأُقفِلُ أكثر على يديكَ، سآخُذُكَ إلى أضيق شارع نمُرُ بِهِ، وسأُدخِلُكَ باب أصغَر بيتٍ فيهِ، وقتها ستُعمي الدموع عيناي، وتختَنِقُ الكَلِمات في حنجرتي، سأتمسَّك بمعطِفَك وتخور قواي، وتفقِد قدماي قُدرتهما على حملي، سأتمسَّك بِمعطفِك أكثر، سنبدأ بالسقوط سويًا على رُكبتينا، ستُخبِرني أن لا أخاف، وسينطبِع رسم عيناي على قميصَك ويتبلل بالدموع، سنقِف على رُكبتينا وأنا أضُمَّك كأخِر أمل لي في الحياة، سأقول لَك أن ما يجعل الخوف يملئ قلبي هو وجودك بجانبي وخوفي من فقدِك، وأهمِسُ لَك ككل مرة أن قلبي لن يعرف الطمأنينة إلا إذا انتزعت ضلعك الأعوج من صدرِك وأستقريت مكانُه، ستُضمني أكثر وتبتسِم، وأنا لن أهدأ ولن أستقِر.


Sunday, 9 February 2014

طيف ..

لم تكُن المرة الأولى التي يراها فيها، فقد مّرت من جانِبِهِ عِده مرَّات مِن قبل، لم يكن من الضروري أن يراها بأُم عينيه ليتعرَّف عليها، فقد تعرَّف على جِهاز حِسي جديد مُنذُ أول مرّة يلتقيها في الشارِع، فبات يعرِف " وهو الذي لم يدرُس كيمياء الجسد " أن الحُب يبدأ بحاسة الشم، فرائحتها نفذت إلى أنفِه لتدُك أول حصونُه مُعلِنة عن بِدء استعمارها لقلبُه، وبالرغمٍ من أنها لم تكُن بالقرب الكافي ليُدرِكَ رائِحتها، ولكنها استطاعت الوصول إليه والسُكنة في روحِهِ وأصبح يستطيع تمييزها من بين العالمين، تعلَّم أن بجلدِه مُستقبِلات حِسية للحرارة والكهرباء، فبمجرد مرورها من جانِبِه تشتعل الحرارة في جسده وتسري الكهرباء في بدنِهِ، ولأول مرة يشعُر بالفراشات ترتعِش في جوفِه يوم تطايرت شعراتها مع نسمات الهواء الرقيقة، لِما يقولون أن الحواس خمس وكُل عصب فيه يُميزها بطريقة تختلف عن العصب الذي يُجاوِرُه.
كانت تسير ببُطء، والكون كُلَه يبُض على رنات خطواتها الوئيدة، حين أدركتها حواسُه كُلها دُفعة واحدة واختُزِل هو نفسُهُ في قلب يدُق مع مرّات تنفُسِها، كان يود لو أنها تكون بخُف الهواء فيستنشقها وتملئ رِئتيه، ومع ذلِك .. فقد كان يومها كُل شيء حُرًا في الهواء، شعراتِها المموجة، ذيل فُستانها الفيروزي، رائِحة عِطرها الشذية، وروحي حلقت فوقهم جميعًا في السماء الواسِعة فهذِا بُستان نبت في قلبي مُنذ أن رأيتُها، وهذِه السحابة أتخذتُها مسكنًا لي بعدَ أن أحببتَها، وتلك أنهار من مِسكٍ وخمرٍ تدفقت في شرايني ما ان داعب أنفي عطرها، ويا ويلتي، صِرتُ أُحِبُها عدد المرات التي تمنيت فيها أن أضُمها، أتنفسها، أتذوَّق طعمها. لم أعُد أعرِف هل ما أصِفَهُ الآن هو احساسي أول مرة أراها أم احساسي حين رأيتها الآن، فكُلما شعر بوجودِها جسدي أحبها من جديد ككل مرة يشعُر بِها، حُب لم  يتغيَّر ولم يشوبه أي نقص مُنذُ أن وُلِد، هي نفسها لم تتغيّر، حتى وإن استبدلت فستان المدرسة التركوازي بزيها الرسمي الذي تذهب بِه إلى عملها، حتى وإن حلّت جدائِلها وتركت العنان للنسيم ليفعل بِهِ الأفاعيل، لا تطلّع الشمس إلا عندما تمُر على عينيها السوداوين، لا يتوقَّف الزمان إلا  عند رؤيتها، أحيانًا أتعجب كيف أن بقيّة المارين لا يُعجبون بِها كما أُعجب بِها، ولكن يبدو أنها شمسي أنا وتسطع لي وحدي أنا، سألتُ نفسي دومًا لِما لا أُحادِثُها، لِما لا أقترِب منها، لِما لا أبوح لها بمكنون صدري لِما لا أتخِذُها زوجة كما اتخذتُها حبيبة أبدية ؟، لِما لا أجعلها تُنير لياليّ كما أنارت بصدُف لُقياها كُل حين أيامي وأسابيعي حتى أراها مرة أخرى لتملئ حياتي من جديد بالفرح والسعادة، لِما لا أحتفِظ بكُل هذا الجمال معي؟! ما هي فكرتي عن الحُب وما هي غايتي ..
ولكِني كُنت دومًا أشعُر بانها أجمل من أن أقترب منها، أجمل من أن ألمسها، أجمل من أن أُحادِثُها، هي أجمل من كُل شيء وأحلى في خيالي من أن أشوهها، في كل مرة أُفكَّر في التحدُث إليها يخطُر في بالي ماذا لو اقتربنا ولم تكن جميلة كما أراها، كيف ساعيش حياتي بدون حبيبتي الأسطورية، هل سأشعُر بكُل هذا الجمال بداخلي بعد أن يذهب جمالها من عيني، هل أحتمِل أن أفقِد حلاوة رؤياها صُدفةً فتحلو كُل ساعة في يومي، لا أجِد أن فقدي لحلاوة الصُدف والمسافة التي تجعل منها طيف وأميرة وأسطورة لُه معنى .. فالزم مكاني بعيدًا عنها وأكتفي بالابتسام لها وأمُر في سلام متناسيًا التفكير في ماذا سيكون طعمها لو أني تذوقتها ..



Saturday, 4 January 2014

#عن الحاج خليل إسماعيل ..

كيف أُرثيك وجنة الخُلد مكانك، وكيف لا أُرثيك وأنت أعز عزيز وأغلى غالي، جدي الحبيب لازلت رغم مرور ثمان سنوات على رحيلك أتذكر رائحة عِطرك، لازلتُ أتشوق لأن أسير معك وأنا مُمسِكة بيدك " حتى عندما كُنت في السادسة عشرة من عُمري وأنا أشعُر أني في حرم زعيم شعبي الكُل يُسارِع للسلام عليه ومُحادثتُه والتبرُّك بِه وبحضرتِهِ، لازلت أتشوق لمشاكستك وتدليلك وأنا أقول لك " إنتَ زي القمر يا جدو " والحق أن القمر هو الذي يشبِهك، لازلت جدتي تحكي لي نوادرنا سويًا وكيف كُنت تمنعها من ضربي عِندما كنت أُبعثِر محتويات دولاب المطبخ من " دقيق وسُكر وسمن ومسحوق الغسيل " قائِلًا لها " إصنعي من المسكوب حلوى لنا " ، هل تذكُر يا جدي عِندما كُنت تأخُذني لنجلس سويًا في سان ستفانو على البحر وتشتري لنا ساندوتشات الفول ومشروب التيم، رغم أنني كُنت في الثالثة من عُمري إلا إنني لازلت أذكُر الكراسي الخشبية الزرقاء التي كُنا نجلس عليها، عندما كُنت تحرص على شراء خروف العيد لنا، وخروف أخر في الصيف لنلعب ونتسلى بِه على سطوح المنزل، عندما كنّا نفطر وكُنت تحكي لي أنت وجدتي عن تفاصيل زفافِكُم، كانت جدتي تصف التفصيلة وأنت تتهكم عليها وتصفها بشيء غير ما تقول، لازلت أُحب الشيخ أحمد نعينع في وقت الضحى كما كُنت أسمعُه في صباحات بيتك الدافِئة، صوتك وأنت تُرتِل القُرآن، ردّك علينا " هنرتاح في الأخرة كتير " عندما كنا نحثك على الراحة وعدم الالتزام بقيام الليل كما كُنت تحرص، ولكننا منذ وفاتك لم نعُد نُعد الزلابية بالعسل وحلاوة الدقيق كثيرًا، تجمُعات العيد تفتقِدُك وتشتاقك وتترحّم على تنويرك وتشريفك لها، عيناي تشتاق لرؤيتك على كُرسيك المُفضّل المواجه للباب وأنت تضع ساق على ساق وأنت تستقبلنا، كبرنا كُلنا يا جدي فأصغر أحفادك صار في الصف الثالت الابتدائي وأنا يا جدي أنهيت كل مراحل التعليم وأصبحت عاطلة قد الدُنيا، أعتِب عليك يا جدي لإنك رحلت قبل أن أكبر وأكون أكثر معرفة لما أُريد معرفته منك، كنت أريد أن تحكي لي عن التهجير وقت الحرب العالمية التانية عندما كنت صغير، أيضًا كُنت أُريد أن تصف لي مصر في الستينات وعن رحلتك في الأقصر وقت تصوير فيلم " غرام في الكرنك "، تفاصيل موافقتك على زواج أبي من أمي " جدتي لا تنفك تحكي لي هذِه الحكاية ولكني أثق أن الحكاية منك ستكون مختلفة "، أبتسم حين أرى ياسمين عبد العزيز لأني أعلم أنك كنت تُحب شقاوتها، لازل في قلبي أحترام لبرنامج " العاشرة مساءًا " لأنه كان برنامجك المُفضّل، أشتاق لك يا جدي، وأشتاق للوقت الذي كُنا نعيشُه معك، رحمِك الله يا جدي وأسكنك فسيح جنّاتُه، كنت نعم الجد ونعم الرجُل. بحبك يا جدو ليل " كما كُنت أُناديك "  ..
نسألكم الفاتحة